الجمعة، 9 أبريل 2010

مع الشاعرة الليبية د . عائشه ادريس المغربي .. حاورها بسام الطعان


شاعرة وكاتبة ليبية، دكتوراه في فلسفة الجمال من جامعة السوربون لها حضور كبير وبهي في المشهد الثقافي والاجتماعي الليبي، تعمل أستاذة لفلسفة الجمال بجامعة ناصر الأممية.

صدر لها:ـ الأشياء الطيبةـ البوح بسر أنثاي-أميرة الورق-صمت البنفسج.

بائعة الزهور- مسرحية .

ـ أوهام الغبار- قصص .

ـ تكتبين القصة القصيرة والشعر،وتجربتك الإبداعية غنية ومستمرة، ما هي الرسالة التي تودين تحقيقها عبر هذه التجربة، ولماذا اخترت هذه الطريق الصعبة، طريق الإبداع؟


* نعم اكتب الشعر والقصة، فلي بعض التجارب القليلة اعتبرها تجليات لروح الشعر لأنني أرى الشعر قادرا على أن يستوعب كل الأجناس الأدبية ويمنحها من روحه، إن روح الإبداع حين لا تستطيع الصعود لقمة الإبداع فأنها تتجلى في أنماط أخرى من الإبداع، القصة الخاطرة الرواية الرسائل، لكنني لا أقلل من شان هذه الأشكال الأخرى للإبداع، لكن اعتبر الشعر اصعب أنواع الكتابة وأجملها، لانه يملك دهشة البداية بمعنى انه يحتفظ بدهشة ولادة الأشياء وفطرتها، إن الصنعة والاحتراف والسعي خلف الشهر والنمطية أفسدت العلاقة مع الشعر، فالشعر سيبقى دائما في مرحلة الطفولة بكل ما تحمله من جمال وبراءة وعفوية وان كان يحمل هم الكون وأسئلته المحيرة، في واقع الأمر لم اقرر أن اختار هذه الطريق، إن قصة الإبداع شائكة جدا وتتضافر كثيرا من الأسباب والظروف لتخلق شاعرا لكنني أدركت منذ تفتح وعي الكون والحياة أنني ساكون شاعرة وشعرت بأنني املك منذ صغري حدس اتجاه الأشياء والكون وارى الآخرون حولي وتلك سمة الشعر تلك المعرفة ما لا يراه معرفة العقل أو المادة، لكنها تتجاوزها إلى التي لا تتأسس على معرفة أرقى واكثر إحساسا، رسالة الشعر الحب والسلام والجمال وأنا أحاول أن ازرع بعض منه في هذا الكون الذي يعج بالحروب والدمار والفقر والظلم، انتصر من خلال ما اكتب للحرية والخير وللضعفاء والمهمشين.


ـ كل جنس أدبي له مكانته الخاصة به، وقارئه الخاص به، برأيك أي جنس أدبي له النصيب الأوفر من القراء، الرواية أن القصة أم القصيدة، ولماذا؟


* كل أنواع الأدب هي من الإبداع وكل رأي خالف هذا القول اعتبره سذاجة لكن لا يمكن لنا أن نتناول نفس الموضوع وبنفس الطريقة في كل من الشعر والرواية أو القصة القصيرة أن الوظيفة تختلف وكذلك الأدوات واللغة والتكثيف والأبعاد الزمانية والمكانية ما يمكن توظيفه في الشعر غير ما يكون في الرواية اعتقد أن القصة أو الرواية الآن لها النصيب الأوفر من القراء وهو زمن توهج الرواية خاصة لكن هذا لا يلغي دور الشعر وينقص من مكانته هناك أسباب عديدة تجعل من جنس من الأجناس الأدبية يصبح له الأولوية منها على سبيل المثال أن الرواية قد استفادت من اللغة الشعرية واستعارت أدواته إذا ما عدنا للوراء فان الشعر في زمن الملاحم الكبرى كان يحتوي كل الأجناس الأدبية الأخرى وبذلك سيظل الشعر هو أساس الإبداع الأدبي وان الأجناس الأدبية الأخرى ماهي إلا وليدة الشعر وقد تطورت وخلقت لها طعمها الخاص بها.

- كيف تنظرين إلى واقع القصيدة الليبية، وكيف تصفين علاقة الجمهور الليبي بالشعر، وأين مكان القصيدة الليبية على خارطة القصيدة العربية؟

* واقع الشعر في ليبيا يعتبر امتدادا للتجربة العربية عموما لكن التجارب الشعرية في ليبيا تجارب فردية متناثرة على رقعة واسعة من السنين والجغرافيا ولا تملك حتى الآن قراءة واعية ترصد تطورها واتجاهاتها وسماتها المشتركة رغم وجود العديد من التجارب الناضجة والمدهشة بينها فهي تدور في إطار المحلية لا تظهر إلا بعض الأسماء المعرفة منذ فترة وهى تتكرر كأنه لاوجود لغيرها ولا يمكن أن نتطرق إلى مكان القصيدة في ليبيا على خارطة القصيدة العربية ما لم تتم قراءتها لكن الأدب بصفة عامة يعاني انتكاسة وخاصة الشعر فالعالم اليوم ينحدر بشدة نحو المادة وتتآكل القيم الروحية التي يمثلها الأدب وخاصة الشعر والشعوب العربية كما تشير الإحصائيات والدراسات شعوب لا تقرأ فما بالك الشعر الذي تحتاج قرأته إلى حساسية عالية جدا.

- من بروز ظواهر شعرية جديدة في ليبيا كالتي تجسدت في الشعراء الليبيين الكبار؟

* هناك العديد من التجارب الجميلة والمميزة في ليبيا لكن كما قلت لك كان التجربة الليبية لم تقرا بعد وهذا ما يجعل من الصعب الحكم عليها لكنني على صعيد شخصي ارشح تجربة الشاعر المرحوم علي صدقي عبد القادر كظاهرة شعرية مميزة ليست على صعيد التجربة الثقافية في ليبيا وانما على مستوى العالم العربي والعالم وهو شاعر مميز على صعيد تجربته الإنسانية والشعرية وهو عالم مترامي الأطراف افقه لا يحد وتجربته خاصة جدا ومتفردة .

-هل توافقين الأصوات التي تقول إن القصيدة الحديثة أصبحت بديلا عن القصيدة الكلاسيكية؟

* أنا اعترض على صيغة السؤال ,بمعني أن كلمة بديل هنا كأنما اشترينا صنفا جديدا بدل الصنف القديم الذي توقفنا عن استعماله وهذا لا ينطبق بالتأكيد على الشعر فما يحدث في الأدب أو الإبداع عموما هو تطور وهو لا يمكن أن يقطع الصلة أو ينفي ما سبقه وبذلك سيظل تاريخ الأدب محتفظا بالقصيدة الكلاسيكية . كما أن الفهم الخاطئ أو السطحي لثورة الحداثة في الشعر يجعل من صيغة السؤال تتحدد الإجابة بنعم أو لا.
اليوم لا يمكن أن نقبل في الشعر بمعطيات جمالية ومعايير منذ عصر الخليل أنها عملية تطور ذائقة جمالية لا تطول الشكل فقط لكنها تشمل التجربة الشعرية بكاملها وتحمل رؤيا جديدة مختلفة تماما مما يجعل الكتابة عنها بشكل القصيدة الكلاسيكية تجعلها عرجاء وكل ما لم يفهم جوهر التغيير الحقيقي في قصيدة الحداثة فلا يعني تخلية عن الوزن والقافية انه كتب قصيدة حديثة وهذا هو مأزق القصيدة الآن في العديد من التجارب الشعرية التي لا تملك رؤيا.

-بماذا تفسرين هذا العدد من المبدعات، نحو 400 مبدعة عربية، وهناك موجة كاسحة من الكاتبات، هل هو نوع من التحدي لمجتمع ضاغط بإرث من التقاليد الصارمة، وهل هذا العدد قليل أم كثير بالنسبة للمرأة العربية؟

* لا ادري السبب وراء هذا الاحتجاج على عدد الكاتبات وهل يمثل هذا العدد من الكاتبات رقم إلى جانب الكتاب الرجال من وجهة نظري هذا تعسف اتجاه المرأة أنا انظر إلى نص جيد سوى كتبه رجل أو امرأة واعتقد أن هذا العدد قليل جدا نسبة لعدد النساء العربيات ومن جانب آخر الإبداع مسالة تختلف فليس المهم العدد أو الكم بقدر الكيف بمعني مدى تأثير وفاعلية هذه الأسماء على الساحة الثقافية ومسيرة الإنسانية .


- القصة القصيرة الليبية والعربية كواحد من الأجناس الأدبية، كيف تقيمينها في الوقت الراهن، وهل من تطورات طرأت على القصة الليبية؟


* تتجاوب التجارب الليبية مع التطورات التي تمر بها القصة القصيرة في العالم العربي وهناك العديد من التجارب المميزة في ليبيا هذه ملاحظة لولا تعتبر تقييما لواقع القصة القصيرة في ليبيا لأنني لست متخصصة في هذا المجال ولان النتاج الأدبي في ليبيا كما سبق القول مازال يعتبر ارض بكر لم يأخذ كفايته من الدراسات والنقد والتحليل وتعتبر تجربتي في كتابة القصة قليلة فأنا لم اكتب إلا عدد قليل جدا من النصوص القصصية ورغم اعتزازي بهذه التجربة إلا أنها لا تمثلني بقدر الشعر فهو الوجود الحقيقي لتجربتي الإبداعية.

ـ في عالمنا العربي المقيد بالأغلال، المعبأ بالاحتلال، المحاصر بالتهديد والوعيد، الفاقد القوة، الناقص الحرية، المستجدي للسلام، في هذا العالم المضحك المبكي، ما المطلوب من الكاتب العربي، ماذا يمكن أن يفعل، هل يستطيع أن يفعل شيئا وهو غارق في همه إلى قمة رأسه؟

* إذا نظرنا إلى التاريخ الإنساني فأننا نجد أن للكاتب دور كبير في التغيرات التي حدثت في العالم والثورات الكبرى كانت نتيجة للوعي الذي ساهمت الكلمة في تأسيسه غير أن الأمور الآن اختلفت تماما وخاصة في العالم العربي أنا غير متفائلة على الإطلاق بهذا الدور ولكنني مع هذا لا اكف عن المحاولة.

-هل من مشاكل تواجه المرأة العربية المبدعة ، وماذا ينقصها ، والى ماذا تحتاج حتى تبرز كما يجب على الخريطة الإبداعية؟

* اكبر مشكلة تواجه المرأة المبدعة في العالم العربية النظر إليها من خلال جسدها وكل ما تكتبه يقاس على هذا المنوال كأنما لاتملك عقلا في رأسها ومنظور إليه من خلال المحرم والعيب والأخلاقي هذا يشكل عائق كبير أمام تجربتها التي تختزل دائما للحديث حول الجسد والجنس .

- تجربة الرجل الأدبية والفكرية والأخلاقية تقيم من خلال هذا المنظور بينما تجربة المرأة تقاس من منظور أخلاقي بصرف النظر عن قيمتها الفكرية والإبداعية . في تصوري أن النقصان المزمن في النظرة للمرأة يجعل إبداع المرأة اعرج رغم استقامة خطواتنا. ـ كيف تقرئين آفاق التواصل بين الثقافة العربية العربية، وفي أي دولة عربية الحركة الثقافية فيها هي الأبرز والأجمل برأيك؟

* جغرافيا هناك المشرق والمغرب والتواصل بين هاتين النقطتين ضعيف ومتقطع , فالمشرق اكثر قدرة على التعبير عن نفسه واكثر قدرة على الانتشار , بينما المغرب رغم قدراته الهائلة فانه لا ينتشر بسرعة كافية هناك أذن أزمة في أفق التواصل إذا استثنينا بعض الأسماء المعروفة وهي تنتشر في رقعة الخارطة العربية وتبقى لفترات طويلة مهيمنة ولا تفسح مجال للأسماء الجديدة بسهولة . لقد غيرت ثورة الاتصالات مؤخرا المعادلة فالنت ساهم في مسالة الاحتكار الذي يمارس على الأنشطة الإبداعية والأدبية والمهرجانات والندوات والمعارض والتي لا يذهب إليها في الغالب إلا من له علاقات ومصالح وليس الكل طبعا دائما هناك استثناءات بيروت كانت هي الأكثر إشعاعا والأبرز والأجمل كذلك القاهرة الآن لم تعد كذلك لحسابات ليست ثقافية بالتأكيد لكن برز الخليج بإمكاناته المادية ليجذب فراشات الإبداع إلى دائرة الضوء التي يحاول أن يجعلها مشتعلة وإن ساهمت كل الأسماء العربية في استمرارها .

-هل الكلمة قادرة على أن تعزز التواصل بين أبناء الأمة الواحدة، وهل الكلمة تفعل في الحياة فعل الرصاصة؟

الرصاصة ليست قادرة إلا على الهدم , والكلمة قادرة على البناء والهدم لكن الرصاصة أسرع وأقوى لكن الكلمة قادرة على تعزيز أفق التواصل بين أبناء الأمة العربية والتي ليست واحدة للأسف لكنها لا تفعل فعل الرصاصة في الحياة كما عبرت , أنها مثل عوامل التعرية التي ندرسها في الجغرافيا تحتاج لوقت طويل لترسم تغييرا في خارطة الحياة .

سبق نشره فى موقع صوت العروبة