صدرت الأيام الماضية مسرحية «بائعة الزهور»، للشاعرة عائشة إدريس المغربي، عن منشورات وزارة الثقافة بليبيا، المسرحية كتبت العام 2003، حيث كانت الشاعرة تقيم في فرنسا للدراسة.
تدور أحداث المسرحية في مدينة قورينا الليبية (210 كلم تقريبًا شرق بنغازي)، في العصر الروماني، حيث اختطفت ابنة ملك قورينا، وعم الجفاف المدينة وذهب الجيش في حرب بعيدة، وخيّم الحزن والحداد على مدينة قورينا، إلى أن ظهرت في ساحة قورينا في يوم إعلان الحداد المنتظم في يوم معين كل عام، والذي يعد موسمًا مربحًا لكاهن المدينة، فتاة صغيرة تبيع الزهور.
بائعة الزهور من خلال بيعها وعرضها للزهور في الساحة غيّرت من أجواء الحداد، وانقلب حال الناس إلى الفرح والبهجة، ثم تصاعدت وتيرة الدراما على الطريقة الرومانية والإغريقية وما تميزت به من فنون خطابة وفلسفة ومنطق بين بائعة الزهور ومن احتفل معها بالفرح وبين الطرف الآخر الذي اعتبر اقتحام الزهور لأجواء الحداد خطيئة عقابها الموت. يتواصل الحوار الذي تتصارع فيه قوى الخير بزهورها وجمالها مع قوى الشر بنارها ودمها ورمادها، ليحسم الصراع في النهاية النور ولتهزم الكراهية لتنتصر المحبة.
ولقد اختارت الشاعرة مدينة قورينا الأثرية التي بها نبع الإله أبولو ومعبد زيوس وتماثيل أفروديت وغيرها، كخلفية مكانية للعمل، ويرجع ذلك لدراستها لحضارة وتاريخ ليبيا القديم، كذلك شدتها شخصية الكاهن التي ساهمت في خراب المدينة الآمنة المزدهرة، من خلال دس أنفها في السياسة، هذا السؤال الذي يطرح مشكل تقاطع الديني مع السياسي طافح في هذا الزمن الراهن بشكل قوي، ولعله كان سببًا مهمًا جعل الكاتبة تسرع في تبييض مسرحيتها «بائعة الزهور» وطباعتها، لعلها تقدم شيئًا مفيدًا للحياة.
فيما إن كانت مسرحيتها تعتبر إسقاطًا على واقع الحال السيئ الذي تعيشه ليبيا وبالذات بنغازي التي ولدت بها وطرابلس التي تعيش وتعمل فيها تقول عائشة: «ليس بالضبط، ولكنك اقتربت كثيرًا مما أريد أن أسربه من خلال عملي الفني هذا، لقد كتبت هذه المسرحية وعيني على الدمار الذي من الممكن أن نعيشه مستقبلاً، وهو ها قد حدث الآن. أعتبر المسرحية نبتة مرحة، تعاند لتزهر وسط كل هذا الخراب، متجنبة من خلال جمالها أن تكون وقودًا للنار. أبي خسائر معركة عبثية يقوم بها الوطن ضد نفسه».
اختارت الشاعرة مدينة قورينا الأثرية التي بها نبع الإله أبولو ومعبد زيوس وتماثيل أفروديت وغيرها، كخلفية مكانية للعمل، ويرجع ذلك لدراستها لحضارة وتاريخ ليبيا القديم
وتضيف صاحبة ديوان صمت البنفسج ورواية «أروقة» الصادرة العام الماضي: «أعلم أنني أتعالى على واقع مفجع ورهيب وقاس عشته بتفاصيل عبثية وقاتلة في تجربتي الخاصة، وتجربة آخرين خلال هذه الحرب القذرة على طرابلس، وما يحدث الآن في كل ليبيا وبنغازي بصفة خاصة من نزيف دم، لم أتصور أن أرى طرابلس تحرق باسم الثورة وتدمر ويقتل الناس والأطفال، لم أكن أظن أننا كشعب نملك هذه الطاقة المدمرة من العنف والخراب».
لكن رغم هذا التوتر والصخب الذي أجابت به الشاعرة عادت إلى نبرة الهدوء حيث أضافت: «لكنني شاهدت أيضًا قلوبًا محبة وأيدي تساند وتزرع الأمل وتقدم زهور المواساة والرحمة والأمل؛ لهذا نهضت سريعًا من يأسي مترقبة النور الذي سيأتي حتمًا، حاملة باقات زهوري التي سأقدمها هدية لكل من مد يد الصفح ليحل السلام».
أما عن ثقافة الزهور التي تعتبر شبه مفقودة في المجتمع الليبي مقارنة بمجتمعات غربية وبعض العربية الأخرى تقول عائشة: «في وقت ما كانت هناك ثقافة معنية بالنبات والزهور، ورغم جذوري البدوية إلا أنني عشت في كنف أم تزرع النباتات والزهور والنعناع والريحان، وهي بدايات مبشرة في ذلك الزمن، وحضّرت وأسست مع صديقات الكثير من المعارض، التي تحتفي بالزهور. كنا سنمضي إلى طريق أجمل لو واصلنا المضي في طريق الزهور».
التغيير الذي أحدثته بائعة الزهور في ساحة الأحزان في قورينا، هل يمكنه أن يحدث في ليبيا حاليًا،أجابت: «دعني أقول لك، تمنيت أن يحدث التغيير في ليبيا، كما حدث في بائعة الزهور، حيث الحب والحوار هو وسيلة التغيير». وتضيف صاحبة مؤسسة فال الثقافية (دارجة ليبية معناها الفأل الحسن): «ستظل رسالتي إلى آخر رمق في حياتي وفي كل ما أكتب مختصرة في حلم قصير هو.. سنظل نحتاج للحب كي تزدهر الحياة.. هذا الحلم دخلت به عالم الكتابة، كنت مندفعة بحلم أن أبني كوني الخاص، كون الحب الخالي من الشر والضغائن».
الشاعرة عائشة إدريس المغربي في سطور
شاعرة وكاتبة من ليبيا وأستاذة لفلسفة الجمال بجامعة ناصر الأممية تحصلت على ماجستير في فلسفة الجمال من جامعة قار يونس بنغازي العام 1996 إعداد أطروحة في فلسفة الجمال جامعة السوربون باريس 2005 صدرت لها:
1- الأشياء الطيبة 1986.
2- البوح بسر أنثاي 1996.
2- أميرة الورق 1999.
3- صمت البنفسج 2007.
4- رواية أروقة 2013.
5- مسرحية بعنوان بائعة الزهور 2014.